لا شك أن كل واحد منا يتلقى البلاء على طريقته، وبحسب قوة دينه وإيمانه. كان النوع الأول الذي أخذ المرض سلمًا يصعد من خلاله إلى أعلى المراكز العلمية، ليصبح بعد ذلك علامة بارزة للنجاح، من هو راكان البجاد وماهي قصته، وهذا ما سنتعرف عليه. .
حادث مروع
راكان البجاد، شاب في الثلاثينيات من عمره، تبدأ قصته بعد حصوله على الثانوية العامة. كان لديه العديد من الطموحات التي كان يحلم بتحقيقها ليصبح شيئًا يفخر به أسرته ومجتمعه. حصل على حلم مهمة إلى إحدى الدول الأوروبية من أجل استكمال مسيرته العلمية، ولكن بعد أن خطى أولى خطواته في طريق تحقيق تلك الأحلام، وقُبل في كلية عسكرية، صُدم بحادث. دمر كل ما خطط له راكان، وهذا الحادث لم يدمر فقط ما كان يحلم به لكنه فقد هويته، وجعله غير قادر على تذكر أي شيء عن سنواته الماضية، سعيدًا وحزينًا. تم نقله بعد تعرضه لحادث سير مروع إلى المستشفى بإصابات خطيرة وكسور متعددة في جميع أنحاء جسده، مثل الصدر والرقبة والحوض والرأس. كما أصيب بجروح خطيرة في الكبد والقلب والرئتين، مما يشير إلى فقدانه.
فقدان الذاكرة
تسعة أشهر مرت على تلك الحالة الصعبة، وكان راكان فاقدًا للوعي ولم يعرف ما حدث له، وليس ذلك فحسب، بل تعرض لوفاة أكيدة بعد أن توقف قلبه عن الحركة لمدة أربع دقائق كاملة، لكن الله قضى بأن – بقي باجاد على قيد الحياة بمعجزة إلهية، لكن راكان لم يتحسن بعد ولا توجد علامات تشير إلى تقدمه في العلاج خلال تلك الأشهر التسعة، لكن الأطباء لم يتوقفوا عن محاولة إنقاذه، وبعد عدة محاولات للإنعاش الرئوي، راكان بدأ في التحسن في صحته، مما جعله يعود إلى الحياة مرة أخرى، لكنه في الحقيقة لم يكن لديه سوى جسد فقد ذاكرته وهويته، ولا يعرف ماذا حدث، وماذا حدث له، ومن بالضبط، حتى يتمكن من ذلك. لم يتعرف على أي من عائلته، لكن والده كان يخبره عن تلك الأشهر التسعة وما حدث بالتفصيل، ثم بعد ذلك خضع البجاد لعملية جراحية في الرأس حتى استعاد ذاكرته مرة أخرى ثم تحسنت حالته وبدأت. لاستعادة ذاكرته، باستثناء ما حدث مع هذا الحادث المصيري.
التغلب على الإعاقة ومواجهة التحديات
صُدم راكان عندما علم أنه لن يتمكن من الحركة مرة أخرى، وقام والده بتسجيله في مدينة الأمير سلطان الإنسانية للتأهيل والطب، وهناك قرر الطبيب أن راكان لديه خطة علاجية يجب تنفيذها على مدى عام. ونصف، حيث كان راكان مصابًا بشيء مشابه للشلل النصفي، وبعد فترة من العلاج المستمر وحياة صعبة، تمكن راكان من تحريك أطرافه، وتمكن من التحرك بالعكازات، وغادر المدينة الطبية وانتقل إلى منزله مرة أخرى، بعد عودة راكان للحياة مرة أخرى، كان عليه إما الاستسلام لما أصابه أو مواجهة الحياة ومحاولة تغيير واقعها السيئ.
وهذا بالضبط ما قاله له والده، وكانت كلماته دفعًا قويًا لراكان للزحف نحو حلمه وتحقيقه، ورغم مشاكله الصحية من صعوبة في الحركة وضعف سمع، قرر راكان الالتحاق بإحدى الجامعات لإكماله. دراسته، فالتحق عام 2008 م بجامعة الإمام محمد بن سعود راكان ولم ينتبه إلى نظرات الطلاب من حوله الذين كانوا يحدقون به دائمًا، بل كان الهدف إثبات نفسه وتحدي كل ما هو مستحيل، و وبالفعل، وبدعم من عائلته، استطاع الحصول على درجة البكالوريوس في التمويل والاستثمار، الأمر الذي شجع راكان على مواصلة التحديات وتحقيق حلم المهمة والسفر، لإكمال دراسته العليا.
البجاد يحقق حلم الابتعاث
بعد التخرج، تم تعيين راكان في هيئة الاستثمار، كما تم ترشيحه من قبل جمعية ضعاف السمع التي كان عضوا فيها، لكنه اختار الوظيفة لحلمه بالسفر والرسالة، وعمل في هيئة الاستثمار. لمدة تسعة أشهر ثم قرر تحقيق حلم المهمة، لكن والده كان يخشى سفره بسبب مرضه، ولأن راكان ليس لديه خبرة في اللغة الإنجليزية، ولكن بعد إلحاح شديد من راكان، قرر والده السماح له أن يسافر. في الواقع، سافر راكان إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وانضم إلى جامعة جاكسونفيل، فلوريدا، لإكمال دراسة الماجستير في المحاسبة والمالية.
كما استطاع راكان ذلك بطلاقة ولكن بعد نجاحه في العام الدراسي الأول عاد مرة أخرى إلى المملكة لإجراء عملية جراحية في أحد المفاصل مما أجبره على تأجيل الدراسة لمدة عام ثم بعد إتمام الجراحة والتعافي منها عاد راكان مرة أخرى إلى الولايات المتحدة الأمريكية، واستطاع أن يحقق حلمه، وحصل على درجة الماجستير بامتياز ليهزم المرض ويحقق حلمه السابق بالكثير من النجاح والاجتهاد، بعد 13 عامًا من المرض والعلاج ومواصلة دراسته.