أفضل طرق تحويل العملة عند السفر

مكاتب البريد وشركات الصرف أفضلها وبطاقات الائتمان والمطارات أسوأها

أفضل طرق تحويل العملة عند السفر
TT

أفضل طرق تحويل العملة عند السفر

أفضل طرق تحويل العملة عند السفر

من الأمور التي يغفلها كثير من المسافرين والسياح موضوع تحويل العملة إلى عملات أخرى، حيث البدائل متنوعة وكذلك التكاليف والعمولات. ويعتبر البعض أن هذا المجال بالفعل «حقل ألغام» حيث تختلف وسائل الدفع وكذلك التكاليف ويحتار المسافر أيها يستخدم. والاختيار الأسهل والأكثر وضوحا هو تحويل العملة النقدية إلى عملة أخرى، ولكن الخيارات الأخرى تشمل بطاقات الدفع والائتمان والشيكات السياحية، وأخيرا بطاقات الدفع التي تحمل قيمة مسبقة.
وأبسط وسائل الدفع عند السفر هو النقد أو الكاش الذي يمكن للمسافر استخدامه فورا لدى وصوله إلى جهة السفر أو في الطوارئ، وهو من أسهل طرق الدفع ويقبل من كل مراكز السلع والخدمات مهما كان حجمها ودرجة تقدمها الاقتصادي. وهناك كثير من الوسائل التي يتم من خلالها الحصول على أفضل أسعار التحويل النقدي، وبعضها متاح على الإنترنت بشرط ترك زمن كاف لإجراءات شراء العملات الأجنبية وتسلمها بالبريد السريع. ويوفر مكتب البريد البريطاني خدمة جيدة للحصول على النقد الأجنبي من دون دفع عمولة وبأسعار تحويل جيدة. كما تقدم شركة «ماركس آند سبنسر» الخدمة نفسها من بعض فروعها الكبرى. وتنافسها في ذلك بعض مكاتب الصرافة الخاصة التي تعلن عن أسعارها في كثير من المواقع في لندن.
ولكن لا بد في كل الحالات من مقارنة أسعار الصرف نفسها التي تتفاوت بين مكان وآخر.
وتختلف الأسعار السياحية عن الأسعار الرسمية لأن الشركات التي تقدم خدمة الصرف بلا عمولة تعتمد على فروق أسعار الصرف للحصول على ثمن خدماتها.
ويكتشف المسافر في معظم الأحوال أن مكاتب الصرف المنتشرة في المطارات تقدم في الغالب أسوأ أسعار الصرف وتفرض أعلى مستويات العمولة؛ لأنها تفترض أن العميل في هذه الحالات ليس لديه خيارات أخرى. وأوضحت دراسة أجريت هذا العام أن المسافر يدفع في المتوسط 11 في المائة من التكاليف الإضافية في مكاتب الصرف الموجودة في المطارات مقارنة بشركات الصرف التي تعمل على الإنترنت. وهذا يعني خسارة 55 دولارا لكل 500 دولار يتم تحويلها.
وفي بعض الدول يمكن الحصول على معدلات أعلى من العملة المحلية عند تحويلها بعد الوصول وليس قبل السفر. وفي مصر حاليا يتم تحديد سعر الجنيه المصري يوميا عبر النظام المصرفي؛ ولذلك يضمن المسافر الحصول على أفضل الأسعار بتغيير العملة بعد الوصول وليس من مكاتب العملة قبل السفر.
وفي حالات أخرى لا يتغير سعر العملة إزاء العملات العالمية مثل الريال السعودي المحدد بسعر 3.75 أمام الدولار. وهذا السعر الموحد يجعل عملية التحويل سهلة وشفافة للمسافر الذي يمكنه أن يحسب بسهولة نسبة العمولة التي تحصل عليها المصارف أو مكاتب العملة عند تحويل أموال أجنبية إلى الريال السعودي أو العكس.
وتتعقد الأمور قليلا عند استخدام بطاقات الدفع والائتمان للحصول على العملة الأجنبية. ولا تلتزم جميع البطاقات بنسب عمولة أو تكاليف محددة. وقد تبدو البطاقات مغرية للاستخدام حيث توفر بعض الأمان ضد السرقة أو فقدان البطاقة، ولكن هذا الأمان له ثمن رباعي. فهناك أربعة أنواع من العمولات التي تحصل عليها شركات البطاقات عند استخدامها خارج الحدود.
والنوع الأول هو عمولة البنك ويتم تطبيقها على بطاقات الدفع والائتمان معا وهي تطبق في كل حالات دفع الفواتير أو سحب النقد من أجهزة الصرف الآلي. وتختلف هذه العمولة بين بنك وآخر ولكنها تبلغ في المتوسط نسبة 2.75 في المائة.
أما النوع الثاني فهي عمولة السحب النقدي التي تصل إلى 2.5 في المائة وتفرض على السحب ببطاقات الائتمان. وهناك علاوة أخرى تفرضها البنوك على ميزة استخدام البطاقات في الخارج وهي تفرض على بطاقات الدفع وليس على بطاقات الائتمان وتصل في المتوسط إلى 1.5 في المائة. أما النوع الرابع من الغرامة فهو مستتر ويفرض على جميع البطاقات عن طريق فرض رسوم على سعر الصرف عند السحب أو الدفع بالبطاقات.
وليست هناك قواعد واضحة تحكم كل البطاقات ويجب النظر إلى تكاليف كل بطاقة على حدة. وهناك بعض البنوك التي تمنح أصحاب الحسابات الجارية فيها ميزة السحب الأجنبي بالبطاقات من دون فرض رسوم عليها.
النوع الثالث من أدوات الدفع بجانب النقد والبطاقات هو الدفع بالشيكات السياحية وهنا أيضا تختلف نسبة العمولة التي تفرضها البنوك المختلفة لصرف الشيكات السياحية. وأسوأ مواقع صرف هذه الشيكات هو مكاتب الصرف التي توجد في المطارات. أما أفضلها فهو في فروع البنوك التي أصدرتها. وتترواح العمولة على هذه الشيكات بين ثلاثة وستة في المائة.
من المزايا المعروفة للشيكات السياحية نسبة الأمان العالية في حالات فقدانها. ولكن استخدامها لم يعد منتشرا كما كان الحال في الماضي ويعتبر البعض أنها في طريقها إلى الاندثار لانتشار استخدام البطاقات بدلا منها. ويمكن استعادة قيمة الشيكات التي لم يصرفها السائح أثناء سفره. ويمكن صرف الشيكات بعملة بلد الإصدار ولكن ذلك يفرض عليها أيضا مزيدا من الرسوم الأخرى.
من أحدث وسائل الدفع بعملات أجنبية البطاقات مدفوعة القيمة مسبقا، وهي تنتشر بسرعة بين السياح ولا تختلف في استخدامها عن البطاقات العادية. ويدفع بها السائح تكاليف السلع والخدمات، وما عليه إلا إدخال الرقم السري في آلة الصرف الآلي عند الخصم من البطاقة. وتضمن شبكات الائتمان مثل فيزا وماستركارد هذه البطاقات ويمكن شحنها قبل السفر بالنقد الأجنبي على الإنترنت. وهي تتعامل بسعر جيد لصرف العملات الأجنبية ولا تفرض عليها أي عمولات عند استخدامها في الخارج.
وتقول شركة «فير إف إكس»، وهي إحدى الشركات التي تصدر هذه البطاقات أن أكبر مزاياها هو سعر الصرف العادل الذي تلتزم به، حيث تعد من أرخص وسائل صرف العملات الأجنبية. وتضمن الشركة أسعارا لا تزيد عن أسعار الصرف الرسمية المعلنة إلا بنسبة واحد في المائة بحد أقصى. وهي أيضا بطاقات توفر نسبة أمان عالية حيث يمكن إلغاء البطاقة في حالة سرقتها أو ضياعها واستعادة الأموال التي لم تنفق. وعند العودة بعد السفر يمكن للسائح استعادة القيمة الباقية في البطاقة بعملة بلده من أي جهاز صرف آلي.
الجانب السلبي لهذه البطاقات هو أنها متاحة فقط للعملات الرئيسية، مثل الدولار واليورو والإسترليني، وليس لبقية العملات العالمية. ويتعين شحنها بمبلغ كبير حتى يتم إلغاء تكاليف استخراجها للمرة الأولى التي تبلغ نحو عشرة دولارات. وتتيح بعض مواقع الخدمات المالية على الإنترنت فرصة الحصول على هذه البطاقات مجانا. ويحتاج استخدامها إلى بعض الوقت حيث ترسل الشركات البطاقات بالبريد العادي وبعدها ترسل أيضا الرقم السري في مغلف منفصل. ولذلك فهي لا تصلح لمن يريد السفر العاجل.
وعند استخدام البطاقات في المطارات للشراء من السوق الحرة مثلا قد يواجه المسافر العربي اختيار الدفع بالعملة المحلية (مثل اليورو) أو التحويل الفوري إلى عملة البطاقة والدفع بها. والأسلوب الأمثل هو الدفع بالعملة السائدة في بلد الشراء لأن التحويل الفوري للعملة يشمل تكاليف إضافية يمكن تجنبها.
من الخدمات المالية المتقدمة التي يمكن للمسافر أن يحصل عليها هي خدمة الحجز المسبق لشراء العملات الأجنبية قبل السفر بشهور والحصول على ضمان سعر الصرف السائد. وإذا تحرك سعر الصرف ضد المشتري فإنه يضمن التحويل بالسعر المتفق عليه. وكانت أكبر تجربة لذلك تحويل عدد كبير من المسافرين البريطانيين للجنيه الإسترليني إلى يورو ودولار قبل التصويت على الخروج من أوروبا. وبعد التصويت انهار الإسترليني إلى 1.2 دولار بدلا من 1.5 واستفاد كل من حجز تحويل العملة مسبقا بالسعر القديم. ويمكن استخدام البطاقات مسبقة الدفع للهدف نفسه لأن سعر التحويل يتم عند استخراج البطاقة.
وعلى رغم النصيحة العامة بتحويل الأموال قبل السفر إلى جهات العالم المختلفة، لأن السعر لن يتحسن بعد الوصول إلى وجهة السفر، فإن هذه المعادلة ليست صحيحة في كل الأحوال؛ لأن اختلاف أسعار الصرف الرسمية في بلد مثل مصر قبل تعويم الجنيه المصري كان يعني إمكانية صرف العملات الحرة بأسعار أفضل من شركات الصرافة الخاصة وبأسعار تفوق السعر الرسمي المعلن من البنوك. ويمكن الحصول على أسعار أفضل لكثير من العملات من داخل بلدانها، كما أن بعض البلاد تمنع وجود عملاتها خارج الحدود.
** بعض النصائح العملية عند تحويل العملة
* يجب الحذر من شركات الصرافة التي لا تفرض عمولات على تحويل العملة لأنها تعوض ذلك بسعر تحويل أقل من السعر السائد في السوق.
* تجنب دفع فواتير المشتريات بعملة بطاقة الائتمان، ويفضل طلب الدفع بالعملة المحلية لتجنب رسوم إضافية تصل في المتوسط إلى ستة في المائة.
* يتعين إبلاغ البنك أو شركة بطاقات الائتمان بجهة السفر حتى لا يتعرض المسافر إلى صعوبات في الصرف.
* تجنب سحب عملات أجنبية نقدا من حساب بطاقات الائتمان، حيث تفرض عليها رسوم باهظة بالإضافة إلى تكاليف الائتمان (الفوائد).
* استخدام بطاقات الائتمان في المشتريات الأجنبية أفضل من استخدام بطاقات الدفع حيث توفر شركات الائتمان ضمانا إضافيا.
* توفر مكاتب البريد أحيانا أفضل أسعار تغيير العملات ومن دون عمولة.
* من الأفضل أحيانا تغيير العملة بعد الوصول إلى وجهة السفر، ولكن يفضل تجنب تغييرها في المطارات حيث أسعار الصرف هي الأسوأ.



النظافة في اليابان «وسواس قهري» جماعي يسحر السياح

التنظيف جزء من تربية الأطفال السليمة (الشرق الاوسط)
التنظيف جزء من تربية الأطفال السليمة (الشرق الاوسط)
TT

النظافة في اليابان «وسواس قهري» جماعي يسحر السياح

التنظيف جزء من تربية الأطفال السليمة (الشرق الاوسط)
التنظيف جزء من تربية الأطفال السليمة (الشرق الاوسط)

«طوكيو، أنظف مدينة في العالم»، هكذا يقال. لكنك بعد التجوال خارج العاصمة، تكتشف أن علاقة اليابانيين بالنظافة ليست كأي شعب آخر. هم نسيج وحده، لا بسبب نشاط بلدياتهم، ولا لقسوة غراماتهم، وإنما لانضباط الشعب، والتزامه الشخصي الفريد. لا تستغرب أن تشاهد في الشارع مجموعة من الرجال والنساء بالبدلات الرسمية السوداء، مع ساعات الصباح الأولى، يحمل كل منهم ملقطاً كبيراً بيد، وكيساً صغيراً باليد الأخرى، يبحث على الأرض، لعله يجد شيئاً صغيراً ما، سقط سهواً، من أحدهم. حدّقت لأرى عما يبحثون، كان الشارع خالياً من أي مخلفات، أو ربما لا نرى ما يرون.

التنظيف جزء من تربية الأطفال السليمة (الشرق الاوسط)

مهما يكن الفندق الذي تختاره في رحلتك متواضعاً، ستجده قد حضّر لك مع الشامبو والصابون والمحارم، فرشاة الأسنان، البيجاما والنعل، فرشاة للشعر، وربما كريمات الوجه، وبعض مستحضرات العناية بالبشرة. فأنت في بلاد ذاع صيت مستحضراتها وكريماتها حتى صارت مقصداً. وستجد دائماً أن ثمة غسالة ونشّافة في الفندق توضع في تصرفك، مقابل مبلغ صغير، فأنت لا بد أن تغسل ملابسك باستمرار كي تبدو هفهافاً وفواحاً. ولا تستغرب لو قيل لك إن غرفتك لن تنظف أو ترتب كل يوم، إلا إذا طلبت ذلك، ففي العرف الياباني، نظافة المكان الذي تقيم فيه من واجباتك على نفسك، أولاً، وليست مهمة الآخرين.

اهتمام خاص بتدريب الأطفال على التنظيف (الشرق الاوسط)

النظافة الفردية، كما العامة في هذه البلاد، مثل الانضباط واللياقة، هي سرّ للتميز الذي لن تقع على مثيل له في أي مكان آخر.

أثناء تجولك في الشارع، لا تتعب نفسك بالبحث عن سلة مهملات، فهي غير موجودة أصلاً. كل شخص يحتفظ بمخلفاته، ويعيدها معه إلى بيته أو مكتبه، ليتخلص منها. حتى في أسواق المأكولات، التي تمتد فيها المحلات والمطاعم الشعبية على مدى منطقة بأكملها، لن يسعفك البحث في العثور على سلة مهملات، ولكن في الوقت نفسه، لن تجد أبداً من سولت له نفسه رمي مخلفاته على الأرض.

التزام اليابانيين بالنظافة هو نتاج تاريخ طويل تختلط فيه المعتقدات الدينية بالتربية البيتية والتنشئة المدرسية والقيم التي تعطي الأولوية لاحترام مصلحة الجماعة. هذه العوامل تكاملت عبر القرون لتجعل من ممارسات النظافة ليس مجرد عادة، بل مبادئ أخلاقية في حياة اليابانيين.

النظافة في اليابان قضية وطنية (الشرق الاوسط)

يتدرب الأطفال على خدمة أنفسهم، ومعرفة واجباتهم الاجتماعية، منذ الصفوف المدرسية الأولى، ويقومون بأنفسهم بمهمة تنظيف صفوفهم. بالتالي، ليس غريباً بعد ذلك أن ترى كل شيء لمّاعاً في هذه البلاد، من قاطرات المترو، إلى أسواق الأطعمة وحتى الحمّامات العامة.

الحمامات العامة قصة لوحدها، كثيرة، وأنيقة، في خدمتك أينما كنت، في محطات المترو والأسواق، على الشواطئ وفي الغابات. غاية في النظافة، والترتيب والتطور التكنولوجي، يتوفر فيها كل ما تحتاجه، بالمستوى الذي يجعلك لا تتردد في الدخول إليها، بل تجد نفسك مدفوعاً لأن تمر بها وتتأكد كيف أن اليابانيين يستخدمونها، كأنها جزء من بيوتهم، ويتركون المكان خلفهم أنظف منه حين دخلوا إليه. أما المراحيض فهي دائماً إلكترونية في كل الحمامات العامة، كما في المنازل والفنادق والمطاعم، وكذلك الحنفيات تعمل باللمس، في محاولة لتأمين أكبر مستوى من الحماية الصحية للمواطنين.

تلحظ أن بعض العادات التي فقدناها يعتز بها اليابانيون، باعتبارها نوعاً من السلوكيات الصحية التي يحرصون عليها، مثل خلع الحذاء قبل الدخول إلى المنزل واستبدال نعل به، والحرص على استخدام نعل آخر مختلف عند الدخول إلى الحمام. تلك كانت شروط جداتنا في منازلهن ونسيناها تدريجياً، وبقي اليابانيون يتمسكون بها. بعض المطاعم التقليدية تطلب من روادها خلع أحذيتهم قبل الدخول، ليعيشوا الأجواء اليابانية. والسياح خصوصاً من الأوروبيين يحبون هذا الطقس ويقبلون على المطاعم التقليدية تحديداً، التي غالباً ما يجلسون فيها على الأرض، رغبة منهم في عيش التجربة.

قاطرات المترو، والقطارات من الداخل والخارج، تنظف وتشطف بالماء والصابون، كي تبقى دائماً بكامل بهائها. لهذا وحفاظاً عليها، ستجد التعليمات التي تذكّر باستمرار بأن الأكل والشرب ممنوعان في هذه الأماكن، تماماً كما التحدث في الجوال، كي لا تتسبب بالإزعاج للآخرين. لهذا وبسبب آداب الحديث بصوت منخفض في الأماكن العامة، بما يقارب الهمس أحياناً، تشعر أن الحياة في اليابان، بلا صخب، وتجعلك أقرب إلى الاسترخاء حتى في المدن المزدحمة مثل طوكيو ذات الـ37 مليون نسمة، وذلك بسبب هدوء السكان.

على أي حال، ليس بالأمر المستحب لدى اليابانيين الأكل أثناء المشي، وفي مكان يراك فيه الآخرون، على رصيف مترو أو في الطريق. الإنسان هنا، يجب أن يبقى رصيناً وبأفضل هيئة، لا يحمل كوباً أو ينهش سندويشاً أو يقضم تفاحة وهو يسير في الشارع. أما التدخين فممنوع حتى في الأماكن المفتوحة والأسواق، وبعض الحدائق تخصص زاوية مسورة للمدخنين، الذين يبدون لك كالمنبوذين.

كل ذلك قد يبقى طبيعياً، لكنك حين تدخل أحد محلات بيع الملابس لماركة يابانية عملاقة، وترى الطابور أمام غرف القياس، قد لا تصدق أن ثمة من يطلب منك خلع حذائك على باب غرفة التجريب، حين يأتي دورك، ويمسح تلك المساحة الصغيرة التي ستقف فيها قبل أن تدخلها، ثم يعود ويمسحها بعد أن تخرج منها مباشرة، رغم أنك استخدمتها عاري القدمين ولدقائق معدودة. العاملة هنا تمسح «كابينات» القياس، في كل مرة تطأها قدم إنسان، حقاً إنه أمر يسبب الدوار، لأن الآلاف يمرون من هنا في اليوم الواحد.

النظافة هي جزء من احترام الذات، ولها جذور دينية وروحانية. ثمة ربط بين التطهر الجسدي ونقاء الروح في ديانة «الشنتو». كما أن مذهب الزن في البوذية يُشدد على الانضباط الذهني عبر أفعال بسيطة مثل الكنس والتنظيف. وفي الأديرة البوذية، يُعد التنظيف نشاطاً تأملياً يُسهم في تطهير النفس، وهو ما أثر على تشكيل الثقافة العامة. هذا عدا المعاناة القديمة من الأوبئة في البلاد التي دفعت السكان إلى ممارسات وقائية أصبحت جزءاً من العادات، وآخرها لبس الكمامات، وهو ما جعل عدد الضحايا في «كوفيد - 19» في اليابان من بين الأقل في العالم.

موضوع النظافة هو نظام متكامل يبدأ بالفرد الذي يعتني بنفسه ومحيطه منذ يكون طفلاً ينظّف صفه المدرسي، مروراً بالتربية الدينية وصولاً إلى الدولة التي تعمل باستمرار على تجويد نظام إدارة النفايات، من خلال فرز محكم، واستغلال للمواد المفرزة في توليد الطاقة أو إعادة تدويرها. فالياباني لا يحتفظ بنفاياته حتى عودته إلى البيت تحاشياً للعقاب المادي، بقدر هو خوف من العار وتجاوب مع إرادة جماعية صارمة، لا تتسامح مع سلوك من هذا النوع تعتبره مشيناً، وإهانة للمجتمع.

كلنا نتذكر كيف قام مشجعو المنتخب الياباني بتنظيف المدرجات في كأس العالم عام 2022 في الدوحة، قبل أن يغادروها، رغم أنه كان يفترض أن يبتهجوا وينشغلوا بالاحتفال بفوزهم على ألمانيا 2-1 في تلك المباراة. يومها تناقلت وسائل الإعلام الخبر مثنية على سلوك المشجعين الذين تفردوا بهذه المبادرة وما كانوا مضطرين. وظن البعض أنها نوع من الاستعراض، لكن الحقيقة أن الياباني لا يملك إلا أن يكون أميناً لتقاليده حتى وهو في غاية الفرح والانتشاء. هذا ما فعلوه في روسيا أثناء كأس العالم عام 2018، وما نراه منهم أينما وجدوا في الملاعب.