شعر نزار قباني عن الفراق

شعر نزار قباني عن الفراق
شعر-نزار-قباني-عن-الفراق/

قصيدة: نهر الأحزان

عَينَاكِ كنهْرَي أحْزانٍ
نَهرَي مُوسيقَى حَمَلانِي
لِوَراء، وَرَاءِ الأزْمَان
نَهْرَي مُوسيقَى قَد ضَاعَا
سَيّدتي ثُمّ أضَاعَانِي
الدَّمعُ الأسْودُ فوقَهُما
يَتَساقَطُ أنْغامَ بيانِ
عَينَاكِ وتبغِي وكُحُولِي
والقَدْح العَاشِر أعْمَانِي
وأَنَا فِي المقْعَد مُحتَرِقٌ
نيرَانِي تأْكُل نيرَانِي
أأقُولُ أُحِبُّكِ يا قَمَرِي؟
آهٍ لَو كَانَ بإمكَانِي
فَأنَا لا أملِكُ في الدّنيا
إلّا عينَيْكِ وأحْزَانِي
سُفُني فِي المَرْفَأ بَاكيَة
تتمزَّقُ فوقَ الخِلجَانِ
ومَصيرِي الأصْفَر حَطّمنِي
حَطّم فِي صَدرِي إيمَانِي
أأُسَافِرُ دونَكِ ليلَكَتِي؟
يَا ظِلّ الله بِأجْفَاني
يا صَيفِي الأخضَر يا شَمسِي
يَا أَجمَلَ أجْمَلَ ألوانِي
هَل أرحَلُ عنكِ وقصَّتنا
أحْلَى مِن عَودَة نيسَانِ؟
أحْلَى مِن زَهرَةِ غَاردينيا
فِي عتْمَةِ شعـرٍ إسبَاني
يا حُبّي الأوْحَد لَا تَبكِي
فدُمُوعك تَحفُر وُجدَانِي
إنّي لا أملِكُ في الدُّنيا
إلّا عينَيكِ وأحْزَانِي
أأقُولُ أُحِبُّكِ يا قَمَرِي؟
آهٍ لَو كَانَ بإمكَانِي
فَأنَا إنسَانٌ مفقُودٌ
لا أعْرِفُ في الأرضِ مَكَاني
ضَيّعَنِي دَرْبي ضَيَّعنِي
اسمِي ضَيّعَني عُنوانِي
تَاريخِي مَا لي تَاريخٌ
إنّي نِسيانُ النِّسيَان
إنّي مرسَاةٌ لا تَرسُو
جُرحٌ بمَلامِح إنْسَان
مَاذا أُعطيكِ سِوىَ قَدَرٍ
يَرقُصُ في كَفّ الشَّيطانِ
أَنَا ألْفُ أُحِبُّكِ فابتَعِدِي
عَنّي عَنْ نَارِي ودُخَاني
فَأنَا لا أملِكُ في الدّنيا
إلّا عينَيْكِ وأحْزَانِي[١]

قصيدة أسألك الرحيلا

لنَفتَرِق قَليلًا
لخَيرِ هَذَا الحُبّ يا حَبيبي
وخَيرِنا
لنَفْتَرق قَليلًا
لأنّني أُريدُ أنْ تَزيدَ في مَحَبّتي
أُريدُ أن تَكرَهَني قَليلًا
بحَقّ مَا لَدينا
مِن ِذكَرٍ غَاليةٍ كَانَت عَلَى كِلَيْنا
بحَقّ حُبٍ رَائعٍ
مَا زَال مَنقُوشًا عَلى فَمَيْنا
مَا زال مَحفُورًا عَلى يَدَيْنا
بحَقّ ما كَتَبْته إليّ مِن رَسائلَ
ووجْهِك المزرُوع مِثْل وَردةٍ في دَاخِلي
وحُبّك البَاقي عَلى شَعْري، على أنَامِلي
بحَقّ ذكرَيَاتِنا
وحُزنِنا الجَميلِ وابتِسَامِنا
وحُبّنا الذي غَدا أكْبَر مِن كَلامِنا
أكبَر مِن شِفَاهِنَا
بحَقّ أحلى قِصّةٍ للحُبّ في حَياتنا
أسْأَلُكَ الرّحيلَا
لنَفْترق أحبَابًا
فالطّير فِي كُلّ مَوسمٍ
تُفارِقُ الهِضَابا
والشمسُ يا حَبيبي
تكُونُ أحلَى عِندَما تُحاوِلُ الغِيَابَا
كُنْ فِي حَياتِي الشّكَ والعَذَابا
كُنْ مَرةً أُسطُورةً
كُنْ مَرّةً سَرابًا
وكُنْ سُؤالًا فِي فَمي
لا يَعرِفُ الجَوابَا
مِن أجْلِ حُبٍّ رائعٍ
يسَكنُ مِنّا القلْبَ والأَهدَابَا
وكَي أكُونَ دائِمًا جَميلةً
وكَي تكُونَ أكثرَ اقتِرابَا
أسْألُكَ الذّهَابا
لنفْتَرِق ونحْنُ عَاشقانِ
لنفتَرِقَ برغمِ كُلّ الحُبّ والحَنَان
فمِنْ خِلالِ الدّمْع يا حَبيبي
أريدُ أنْ تَرانِي
ومِن خِلالِ النّار والدّخان
أًريدُ أنْ تَرانِي
لنَحتَرِق لنَبْكِ يا حَبيبي
فَقَد نَسيْنا
نِعمَةَ البُكَاء مِن زَمَان
لنَفْتَرِق
كَي لا يَصِير حًُبّنا اعتِيَادَا
وشَوقَنَا رَمَادَا
وتَذْبُل الأزهَارُ في الأَوَانِي
كُن مُطمَئِنّ النّفس يَا صَغيرِي
فَلَم يَزَل حُبّك مِلْء العَينِ والضّمَير
ولَم أزَلْ مَأخُوذةً بحُبّك الكَبير
ولَم أزلْ أحْلُم أن تكُونَ لي
يا فَارِسِي أنتَ ويَا أميرِي
لكِنّني لكِنّني
أخَافُ مِن عَاطِفَتِي
أخَافُ مِن شُعُورِي
أخافُ أنْ نسْأَمَ مِنْ أشوَاقِنَا
أخَافُ مِنْ وِصَالِنا
أخَافً من عِنَاقِنا
فَبِاسمِ حُبٍّ رائعٍ
أزْهَرَك الرّبيع في أَعْمَاقِنا
أَضَاءَ مثلَ الشَّمسِ في أحْدَاقِنا
وباسْمِ أحلَى قِصَّةٍ للحُبّ في زَمانِنا
أسْألُكَ الرَّحيلَا
حتّى يظَلَّ حُبّنا جَميلا
حتَّى يكُونَ عُمره طَويلا
أسْألُكَ الرَّحيلَا.[٢]

قصيدة: أين أذهب؟

لَمْ أعُدْ دارِيًا إلى أينَ أذْهَب
كُلّ يومٍ أًحِسّ أنّكِ أقرَب
كُلّ يومٍ يَصيرُ وجهكِ جزءًا
مِن حَياتِي ويُصْبحُ العُمرُ أخصَب
وتَصيرُ الأشكَالُ أجمَل شَكْلًا
وتصيرُ الأشيَاءُ أحلَى وأَطْيَب
قَد تَسَرّبْتِ في مَسَاماتِ جِلدي
مِثلَما قَطْرَةُ النّدى تتسرَّب
اعتِيَادي عَلى غِيابِك صَعْبٌ
واعتِيادِي على حُضُورِك أصْعَب
كَم أنَا كَمْ أنا أُحبُّكِ حتَى
أنَّ نفسِي منْ نفسِها تتَعَجّب
يَسْكُن الشّعر في حَدائِقِ عينَيكِ
فلوْلَا عَيناكِ لا شِعْر يُكْتَب
مُنذُ أحبَبْتُكِ الشموسُ استَدَارَتْ
والسَّمَاواتُ صِرنَ أنقَى وأرْحَب
منذُ أحبَبْتكِ البِحَارُ جَميعًا
أصبَحَتْ مِن مِياهِ عَينيكِ تشْرَب
حُبكِ البَرْبرِيّ أكبَر مِنّي
فلمَاذا عَلى ذِراعيكِ أصْلَب؟
خَطئِي أنّني تَصَوّرتَُ نفسِي
مَلِكًا، يا صَديقَتِي، ليسَ يُغلَب
وتصَرَّفتُ مثْلَ طفْلِ صَغيرٍ
يشتَهِي أن يطُول أبْعَد كَوكَب
سامِحينِي إذا تَماديْتُ في الحُلمِ
وألبَسْتُك الحَريرَ المقَصّب
أتَمنّى لو كُنتِ بُؤبُؤ عَينِي
أتَرانِي طَلَبتُ ما ليسَ يُطلَب؟
أخبِرينِي مَن أنتِ؟ إنّ شُعوري
كَشُعورِ الذي يُطارِدُ أرْنَب
أنتِ أحلَى خُرافَة في حَياتِي
والذي يتْبَعِ الخُرافَاتِ يَتْعَب

قصيدة: يا بيتها

أُعطِيكَ مِنْ أجَلِي وعَينِيا
يا بَيتَها فِي آخِر الدّنيا
ويَئِنُّ بابَكِ بين جَنبيّا
يا ضَائِعًا في الأرضِ، يا نَغَمًا
نُوار مرَّ عَليك، وانفَتَحتْ
أزوِاَرَهُ، لا فيكِ بَل فِيَا
تهمِي سَماويًا سَمَاوِيا
ومغَالِق الشّباكِ مُشرّعَةٌ
درَجَاتُه وَهْمٌ وسُلّمه
يمشِي ولَكِنْ فَوقَ جِفنِيَا
يا بيتَها زَوَادَتي بيَدِي
والشمْسُ تمْسَحُ وجْهَ وادِيَا
بالميْجنَا والأُوف واللّيا
الورْدُ جُوريٌّ ومَوعِدُنا
يا بيتَها زَوَادَتي بيَدِي
والشمْسُ تمْسَحُ وجْهَ وادِيَا
وبِلاَدُ آبائِي مُغَمَّسَةٌ
بالميْجنا والأُوف واللّيا
الورْدُ جُوريٌّ ومَوعِدُنا
لَمّا يصيرُ الورْدُ جُورِيَا

قصيدة: لن تطفئي مجدي

ثَرثَرْتُ جِدًّا فاترُكِينِي
شَيْءٌ يُمزّق لِي جَبينِي
أَنا في الجَحيمِ، وأنْتِ لا
تدْرينَ مَاذا يَعْتَرينِي
لَنْ تفهَمِي مَعنى العَذَاب
بريشَتِي لَنْ تفْهَمينِي
عَمْيَاء أنْتِ ألَمْ تَرَي
قَلبِي تَجَمّع في عُيونِي؟
مَاتَ الحَنينُ أتسْمَعينَ؟
ومُتّ أنْتِ مَع الحَنينِ
لا تَسْأَليني كَيفَ قصّتنا
انتَهَتْ، لَا تسْأَلينِي
هي قِصّة الأعصَابِ، والأفيُونِ
والدَّمِ والجُنونِ
مَرّتْ فلا تَتَذكّري
وجْهِي ولا تَتَذكّرينِي
إنْ تُنكِريها فاقْرَئِي
تاريخَ سُخْفكِ في غُضُونِي
أمَريضَةُ الأفكَارِ يأبَى
اللّيل ُأنْ تسْتَضعِفينِي
لنْ تُطفِئي مَجدِي عَلَى
قَدَحٍ وضَمّة يَاسَمين
إنْ كَانَ حُبُّكِ أنْ أعيشَ
عَلى هُرائِكِ فاكرَهينِي
حَاوَلتِ حَرقِي فاحْتَرَقتِ
بِنَار نَفْسك فاعْذُرينِي
لا تَطْلُبي دَمعِي، أَنا
رَجُلٌ يَعيشُ بلا جُفُونِ
مَزَّقتِ أجْمَل مَا كَتبْتُ
وغِرْتِ حتّى من ظُنُونِي
وكَسَرْتِ لَوحاتِي، وأضْرَمْتِ
الحَرائِقَ في سُكُوني
وكَرهْتِني وكَرِهْتِ فنّاً
كُنتُ أُطْعِمُه عُيونِي
ورَأيتِنِي أهِبُ النُّجُومَ
محَبّتِي فَوقَفْتِ دُونِي
حَاوَلتُ أنْ أعْطيكِ مِنْ
نفْسِي، ومِنْ نُورِ اليقينِ
فَسَخرْتِ مِنْ جُهدِي، ومنْ
ضَرَباتِ مطْرَقَتي الحَنُونِ
وبقيْتِ رُغْم أنَامِلي
طِيْنًا تَرَاكَمَ فوقَ طِينِ
لا كُنتِ شَيئًا في حِسَاب
الذّكرَياتِ، ولنْ تَكُونِي

قصيدة: كيف كان؟

تَسَاءَلتْ في حَنَان
عَن حُبّنا، كيفَ كَانْ؟
حرِائِقًًا في ثَوَانْ
صِرنَا ضِياءً وصِرْنَا
فالنَّاسُ لوأبصَرَنَا
قَالُوا: دُخان الدُّخانْ
وأَينَ هَذا المَكَانْ؟
هَل كَانَ جِذْعًا عتِيقًا
أمْ كَانَ مَنزِلَ رَاعٍ
مُسَربلًا بالأَغَانْ ؟
فَأصْبَحْت مهرَجانْ
فحيْثُ رَفَتْ خُطَانا
وحيثُ سَالَ شَذانَا
وتفَتّحتْ وردَتَانْ
كُنّا لهُ شمعَدَانْ
نُهديهِ حتّى كَأنَّا
فحيثُ رَفتْ خُطانَا
تفَتَّقتْ نجْمتَانْ
فحيْثُ رَفَتْ خُطَانا
وحيثُ سَالَ شَذانَا
ويَعرِفُ الليلُ أنّا
كُنّا لهُ شمعَدَانْ
نُهديهِ حتّى كَأنَّا
لليلِ غَمّازتانْ

قصيدة: ألا تجلسين قليلا

ألَا تجْلسيْنَ قَليلًا
ألا تَجْلسين؟
فإنّ القَضيَّةَ أكْبَر مِنْكِ وأكْبَر مِنّي
ومَا كَانَ بينِي وبينك
لَم يَكُ نَقْشًا عَلى وجْهِ مَاءٍ
ولكِنّه كَانَ شيْئًا كَبيرًا كَبيرًا
كَهذِي السَّماءِ
فكَيفَ بلَحْظَة ضعْفٍ
نُريدُ اغتيَالَ السماءِ؟
ألا تَجْلسينَ لخَمسِ دقَائِقَ أًخرَى؟
ففي القَلْبِ شَيءٌ كَثيرٌ
وحُزْنٌ كثيرٌ
وليسَ من السَّهْل قَتلُ العَواطِف فِي لَحَظاتٍ
وإلقَاءُ حُبّك في سَلّة المُهمَلاتِ
فإنّ تُراثًا مِنَ الحُبّ والشِّعْر والحُزنِ
والخُبزِ والمِلْحِ والتّبغِ والذّكْريَاتِ
يُحاصِرُنا منْ جَميعِ الجِّهاتِ
فليتَكِ تفتَكرينَ قليلًا بِمَا تفعَلينَ
فإنَّ القَضيَّة
أكْبَر مِنْكِ وأكْبَر مِنّي
كَما تَعْلمينَ
ولكِنّني أشعُرُ الآن أنّ التَّشنُّج ليسَ عِلاجًا
لِما نَحْنُ فيه
وأنَّ الحَمَامةَ ليسَتْ طَريقَ اليَقينْ
وأنّ الشؤونَ الصَّغيرةَ بينِي وبينَك
ليسَتْ تَمُوتُ بتلكَ السُّهولَة
وأنَّ المَشَاعِر لا تَتَبدّل مِثلَ الثيابِ الجَميلَة
أنَا لا أُحاوِلُ تغيير رأيَكِ
إنّ القَرارَ قَرارُكِ طَبعًا
ولكنّنِي أشْعُرُ الآن أنّ جُذورَكِ تمتَدُّ في القَلبْ،
ذَاتَ الشّمَال، وذَاتَ اليَمينْ
فكيفَ نفُكّ حِصارَ العَصافيرِ، والبَحرِ،
والصّيفِ، واليَاسَمينْ؟
وكَيفَ نقُصّ بثانيَتَينْ
شَريطًا غَزَلنَاه في عَشَراتِ السّنينْ؟
سَأسْكُبُ كأسًا لنَفسِي
وأنْتِ؟
تذَكّرتُ أنّكِ لا تشرَبينْ
أنا لسْتُ ضِدّ رحيلكِ لكِنْ
أُفكّر أنّ السّماء ملُبَّدةٌ بالغِيومِ
وأخشَى عليكِ سقُوطَ المَطَر
فَماذا يُضيرُكِ لو تَجلسيْن
لحينَ انقِطَاعِ المَطَرْ؟
وما يُضيرُكِ
لَو تَضعينَ قَليلاً منَ الكُحلِ فوقَ جُفُونِكِ؟
أنتِ بكَيْتِ كثيرًا
ومَا زالَ وجْهُكِ رُغمَ اختِلاطِ دُموعكِ بالكُحْل
مثلَ القَمرْ
أنا لسْتُ ضِدّ رحيلكِ
لكِنْ
لَدَيّ اقتِراحٌ بأنْ نَقْرأَ الآنَ شيْئًا منَ الشِّعْر
عَلّ قَليلاً مِنَ الشّعرِ يُكَسّر هذا الضَجَرْ
تقُولينَ إنّكِ لا تُعْجبينَ بشِعرِي
سَأقْبَلُ هذا التّحدّي الجَديدْ
بكُلّ بُرودٍ وكُلّ صَفاءْ
وأذْكُرُ
كَم كُنتِ تحْتفليْنَ بشِعْري
وتحْتَضنينَ حُروفِي صَبَاح مَسَاءْ
وأضْحَكُ
من نَزَواتِ النّساءْ
فلَيْتكِ سيّدتي تَجلِسينْ
فإنّ القَضيَّةَ أكْبَر مِنْكِ وأكْبَر مِنّي
كَما تَعْلمينْ
أما زِلتِ غَضبَى؟
إذَنْ سَامِحينِي
فأنْتِ حَبيبةُ قلبِي عَلى أيِّ حَالْ
سَأفرِضُ أنّي تَصَرّفتُ مثلَ جميعِ الرّجالْ
ببَعضِ الخُشُونَة
وبعضِ الغُرورْ
فَهَلْ ذاك يَكفِي لقَطْعِ جَميعِ الجُسُورْ؟
وإحرَاقِ كُلّ الشجَرْ
أنَا لا أُحاوِلُ ردّ القَضَاءِ ورَدّ القَدرْ
ولكِنّني أشعُر الآنْ
أنّ اقتِلاَعكِ مِنْ عَصَبِ القَلبِ صَعْبٌ
وإعدَامُ حُبّكِ صَعْبٌ
وعشْقُكِ صَعْبٌ
وكُرهُكِ صَعْبٌ
وقتْلُكِ حُلمٌ بَعيدُ المَنَالْ
فلَا تُعلِني الحَربَ
إنّ الجَميلاتِ لا تَحْتَرِفْنَ القِتالْ
ولا تُطلِقي النّارَ ذاتَ اليَمينِ،
وذاتَ الشِّمالْ
ففي آخِرِ الأمْرِ
لا تَستَطيعِي اغتِيالَ جَميع الرّجالْ
لا تَستَطيعِي اغتِيالَ جَميع الرّجالْ

قصيدة: ساعي البريد

أغْلَى العُطورِ، أُريدُهَا
أزْهَى الثّيابِْ
فإذَا أطَلَّ بَريدُها
بعْدَ اغتِرابْ
وطَوَيتُ في صَدرِي الخِطَابْ
عَمّرَتُ في ظَنّي القِبابْ
وأمَرتُ أن يُسقَى المَسَاءُ
معِي الشّرابْ
ووهَبْتُ لليْلِ النّجومَ
بِلا حِسابِ بِلا حِسابْ
أنَا عنْد شبّاكِي الذي
يَمْتَصّ أورِدَةَ الغِيابْ
وشُجَيرَةُ النَارِنج
يابِسَةٌ
مُضيّعَةٌ الشّبابْ
ومُوزِّع الأشْوَاقِ
يتْركُ فَرحَةً في كُلّ بَابْ
خُطوَاتُه
في أرْضِ شَارِعنا
حَديثٌ مُستَطابْ
وحقيبَةُ الآمَالِ
تعبِقُ بالتحاريرِ الرِّطابْ
هذَا غِلافِي القُرمُزيّ
يكَادُ يلتِهبُ التِهَابْ
وأكَادُ ألتَهمُ النّقابَ الفُستُقيّ
ولا نِقَابْ
أنا قَبلَ أنْ كَانَ الجّوابُ
طيبَانِ لِي طِيبَ الحُروفِ
وطِيبَ كاتِبَة الكِتابْ
خَطٌ
مِنَ الضُوء النّحيتِ
فكُلّ فَاصِلَةٍ شِهابْ
هذا غِلافِي لا أشُكّ
يَرفّ مَجروحَ العِتَابْ
عُنوانُ منزِلنا المُغمّس بالسَّحابْ
عُنوانُنا
عندَ النُّجومِ الحافِياتِ
على الهِضَابْ
يا أنتَ
يا سَاعِي البَريدِ
ببابِنَا، هَلْ مِن خِطَابْ؟
ويُقَهقِهُ الرَّجُل العَجوزُ
ويخْتَفي بينَ الشِّعابْ
مَاذا يقولُ؟ يقُولُ:
ليسَ لسيِّدي إلا التُرَابْ
إلا حُروفٌ مِنْ ضَبابْ
أينَ الحقيبَة؟
أينَ عُنوانِي؟
سَرابٌ في سَرابْ.

قصيدة: لحمها وأظافرها

لا تقُولِي: أرَادَتِ الأقدَار
إنّكِ اختَرتِ، والحَياةُ اختيَارْ
اذْهَبي اذْهَبي إليهِ فَبعدِي
لنْ تَعيشِي الدّفلَى، ولا الجِلِنّارْ
بِعتِ شِعرِي بِحَفْنَة مِنْ حِجَارْ
أخْبِرينِي، هلْ أسْعَدتكِ الحِجَارْ؟
وظنَنْتِ السّرابَ، جَنَّة عَدْنِ
حيْنَ لا جنَّةً ولا أنْهَارْ
لا تقُولِي: خَسِرتُ أيّامَ عُمرِي
هَكَذا هكَذا يَكُونُ القِمارْ
كنتُ في معْصَميكِ إسْوارَ شَعرٍ
وعَلى الدرْبِ ضاعَ مِنكِ السّوارْ
أو هذا الذي انتهيت إليه؟
مَجدُكِ الآنَ قنبٌ وغُبارْ
كنْتِ سُلطانَةَ النِّساءِ جَميعًا
ولَكِ الأرضُ كُلُّها، والبِحَارْ
ثُمّ أصبَحْتِ، يَا شَقيَّة، بَعدِي
رَبْوَةٌ لا تزُورُها الأَمْطارْ
شَاِمتٌ شَامِتٌ أنا بِكِ جدًّا
لا يُريحُ المَقتُولُ إلا الثّأرْ
إنّني منكِ لا أُريدُ اعتِذَارًا
ما تُفيدُ الدُّموعَ والأَعْذارْ؟
ما بِوسْعِي أنْ أفعَلَ الآن شيئًا
كُلّ ما حولَنَا دَمارٌ دَمارْ
مَا بوسعِي إنقَاذُ وجْهٍ جَميلٍ
أكَلَتْه مِن جَانِبَيْه النّار
وسَهْلٌ على النسَاءِ الفِرارْ
فلِمَاذا تَبكينَ مَلِكًا مُضاعًا؟
أنّكِ اختَرتِ، والحَياةُ اختيَارْ
أنّكِ اختَرتِ، والحَياةُ اختيَارْ

قصيدة: غرفة

يا غُرفَةٌ جَميعُ ما
فِيهَا نَسيْقُ حَالِمْ
تَروِي الهَوى جُدرَانُها
والنّورَ والنَّسائِمَ
أشْيَاؤكِ الأُنثَى بِهَا
نَثيرَةٌ تُزاحِمْ
فدَوْرَقُ العَبيرِ يبْكِي
والوِشَاحُ واجِمْ
وعِقْدكِ التَّريكُ
أشْجَاهُ الحنيْنُ الدّائِمْ
وذلِك السِّوارُ يبكِي
حُبَّنا والخَاتمْ
في الرُّكنِ مِنديْلٌ يُنادينِي
شَفيْفٌ فَاغِمْ
مَا زَالَ في خُيوطِه
منْكِ عَبيرٌ هائِمْ
وتلكَ أثوابُ الهَوَى
مَواسِمٌ مَواسِمْ
هَذا قَميْصٌ أحَمر
كالنّار لا يُقاوِمْ
وثَمَّ ثوبٌ فاقعٌ
وثَمّ ثَوبٌ قاتِمْ
تُذكِي جَحيمِي صُورَةٌ
تَلُفّها البِراعِمْ
وأنتِ مِنْ ورائِهَا
هَدبٌ ووجْهٌ نَاعِمْ
ومبْسَمٌ مُلمْلَمٌ
يُحارُ فيهِ الرّاسِمْ
كأنّما أنتِ هُنا
طَيفٌ وصَوْتٌ نَاغِمْ
أنتِ التي في جانِبِي
أمِ الإطَارُ الوَاهِمْ؟
سمْرَاءُ يا سَمْراءُ بِي
إليكِ شَوقٌ ظَالِمْ
عُودِي على ضَفاِئر الَغيمِ
اللّقاء القَادِمْ
لا تترُكينِي لَمْ يَكُنْ
لَولَاكِ هَذا الَعالَمْ



لقراءءة المزيد من أشعار نزار قبّاني، ننصحك بالاطّلاع على هذا المقال: أبيات شعر نزار قباني عن الحب.

المراجع[+]

  1. "نهر الأحزان"، نزار قباني، اطّلع عليه بتاريخ 07/01/2021.
  2. "أسألك الرحيلا"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 07/01/2021.