زيارة السفينة الحربية اليابانية هيئي للكويت

كان أول اتصال بين اليابان ومنطقة الخليج العربي في أواخر القرن التاسع عشر، وبدأ ذلك مع البعثة التي أرسلتها وزارة الخارجية اليابانية إلى بلاد فارس بهدف التعرف على الأوضاع الاقتصادية وإمكانيات التبادل التجاري بين البلدين. الدول. كان الوفد برئاسة يوشيدا ماساهارو (1) ويرافقه نوبايوشي فوروكاوا (نوبيوشي فوروكاوا) الضابط بالجيش الياباني، بالإضافة إلى خمسة تجار يابانيين ومترجم هندي وطباخ فارسي. في 5 أبريل 1880 م من ميناء شيناغاوا على متن البارجة Hiei، وهي سفينة صنعت في بريطانيا لليابان، ودخلت الخدمة في فبراير 1878 م، وكانت هذه الرحلة أول رحلة تدريبية ملاحية طويلة لها. خط الرحلة – كما سجلته المصادر – كان يسير عبر موانئ هونج كونج وسنغافورة وسيلان (سريلانكا) وبومباي وكراتشي ومسقط، ووصلت بوشهر في التاسع من يوليو عام 1880 م، وبشكل رسمي. دخلت الميناء في 11 يوليو، لتبدأ رحلة الوفد براً إلى طهران في 25 يوليو، حيث وصل هناك في العاشر من سبتمبر من العام المذكور، وبقي الوفد هناك لأكثر من ثلاثة أشهر. وفيها التقى ناصر الدين شاه من آل قاجار وكان ملك إيران في تلك المرحلة (2). (1) ولد يوشيدا ماساهارو عام 1852 م في بلدة توسا، التي تسمى الآن كوهشي، وتوفي عام 1921 م. (2) ولد ناصر الدين القجار عام 1831 م، واستمر حكمه حوالي خمسين عامًا، من 17 سبتمبر 1848 م، حتى اغتياله في 1 مايو 1896 م. ______________________________________________ تشير المصادر إلى أن الوفد لم يحقق نتائج المصالحة في رحلته، فغادر طهران في 30 ديسمبر 1880 م. حيث سافر براً إلى ميناء أنزلي) على بحر قزوين، ومن هناك إلى مدينة باكو التي وصل إليها الوفد في 21 يناير 1881 م. بعد عودة الوفد إلى اليابان، أعد رئيس الوفد، يوشيدا ماساهارو، كتابًا عن هذه الرحلة تحت عنوان “جولات إلى بلاد فارس”. تم نشره من قبل دار هاكابينكان في طوكيو عام 1894 م، ثم طبع طبعة ثانية عام 1990 م، وآخر إصدار يقع في 228 صفحة من القطع الصغيرة. إلى مجموعة من المعلومات العامة عن الأوضاع السياسية والعادات والتقاليد في إيران في ذلك الوقت، وما يعنينا من هذا الكتاب هو أن الوفد مر في طريقه إلى عدد من إمارات الخليج العربي. كما يوجد في الكتاب ما يشير إلى أنهم مروا عبر البحرين والكويت، وليس لدينا معلومات كافية عن مسار المهمة داخل الخليج، حيث يتطلب ذلك ترجمة كاملة لكتاب يوشيدا مساهارو، ونأمل أن يحدث قريبًا. وما بين أيدينا هو النص المتعلق بدخول يوشيدا الكويت فقط. قام بترجمته إلى اللغة الإنجليزية الأستاذ هوساكا شوجي، وهو أحد الباحثين اليابانيين الذين زاروا مركز الكويت للأبحاث والدراسات في سبتمبر 2000 ميلادي وأهدى الكتاب إلى المركز. بعد ذلك أعد ترجمة النص المذكور والذي يحتل الصفحات (39-41) من الكتاب. غلاف كتاب رحلات إلى بلاد فارس ____________________ وصف يوشيدا للكويت وصف يوشيدا الكويت بقوله “… وصلنا إلى كويتو (1) في اليوم التالي، وهي ميناء يقع بالقرب من مصب شط العرب، و رأينا منظرها المذهل من على ظهر السفينة التي نقلت معنا حاكم الكويت (2)) أثناء عودته من زيارة بومباي مع اثنين من أبنائه، أحدهما في السابعة أو الثامنة من عمره والآخر في سن الحادية عشرة أو الثانية عشرة. كان الحاكم حسن البناء، وكان يرتدي غترة من قماش الكشمير المطرز بخيوط ذهبية ومغطاة بصوف ضارب إلى الحمرة. وكان الطفلان رائعين حقًا، وكانا يرتديان الحجاب مشغولًا بالقطيفة الجميلة، وسارا على سطح البارجة محاطًا بسبعة أو ثمانية خدم، عدد منهم كانوا يرفعون خناجر على شكل هلال من أحزمتهم التي كانت ملفوفة. حول وسطهم، وكانا يتبادلان الأحاديث مع الطفلين، ولم أفهم ما الذي يتحدثان عنه بالتأكيد. جلس أمير الكويت في مقصورة الدرجة الأولى من السفينة، ولم يجلس مع غيره أثناء تناول الطعام، إذ أمر بفرش سجادة له على ظهر السفينة، فجلس عليها وأخذها. طعام يتكون من أرز ولحم ممزوج بالكاري بيده، وعلى السجادة نفسها كان يصلي صلاة المسلمين. عندما توقف وانحنى، لم ينتبه إلى حركة تأرجح وتمايل الباخرة. وعندما رست البارجة في الميناء، اقترب قاربان من قوسها في نفس الوقت، وكان على متنها عشر نساء احتلن وسطهن، وشكلن دائرة للترحيب بالحاكم لحظة وصولهم. استقل أحد القاربين، وحمل الخدم الحقائب، وحملوا معهم أيضًا سلالًا كبيرة مليئة بالفاكهة الاستوائية التي تشبه الموز، والتي من المرجح أنها تخصهم، وفي هذه الأثناء كان الرجل يقف على سطح السفينة. كانت البارجة تردد بصوت عالٍ، مكررة الكلمات التي ختمها بقول “يا محمد”، في الوقت الذي غنى فيه رجال السفينة أغانٍ بوذية، حتى خرجوا من السفينة بهدوء ورباطة جأش. من هذا المنظر العام لهذه المدينة، يجب أن تكون الكويت ميناءً تجاريًا مهمًا، مما يوحي بأن هناك بالتأكيد خطة لبناء خط سكة حديد عربي في هذه المنطقة، على الرغم من أنني لم أسمع من قبل عن تقارير جادة بشأن هذا المشروع. ثم شقت سفينتنا طريقها من كيتو إلى مدخل النهر العربي الذي أطلق عليه السكان المحليون شط العرب …. ”(1) يقصد بها الكويت. (2) يقصد به شيخ الكويت وهو الشيخ عبد الله الثاني بن صباح الصباح (1866-1892م). (3) من الملابس اليابانية القديمة، وهي من طراز أغطية الرأس. ______________________________________________ الشرح والتعليق 1- يعتبر كتاب يوشيدا ماساهارو المرجع الأول للكويت في الأدب البحثي الياباني. بعد ذلك، يعد يوشيدا أول ياباني يزور ميناء الكويت، ويتحدث عن حاكمه ويصف منظره البحري. أدرك يوشيدا من النظرة العامة للكويت والبضائع التي يتم إنزالها (مئات الصناديق من القطن والمحاصيل الزراعية) ضرورة هذا الميناء، وأنه يجب إعادة تصدير تلك البضائع من الكويت إلى دول أخرى، وهذا صحيح. كانت الكويت حلقة وصل بين عالم المحيط الهندي والظهر الصحراوي لشبه الجزيرة العربية من جهة، وعالم البحر الأبيض المتوسط ​​من جهة أخرى، حيث كانت هناك قوافل تجارية منتظمة بين الكويت والشام. هذا الأمر أوحى ليوشيدا بأن (هناك حتمًا مخطط لبناء سكة حديد عربية في هذه المنطقة)، وهذه هي أول إشارة إلى هذا الأمر الذي لم يتم التفكير فيه والتحرك لتنفيذه حتى بداية القرن العشرين، عندما أرسلت ألمانيا وفداً للقاء الشيخ مبارك الصباح وعرض عليه مشروع إنشاء خط سكة حديد (برلين – بغداد) ينتهي في الكويت وهو ما رفضه الشيخ مبارك الصباح خوفاً من التدخل الأجنبي في الكويت. وللحفاظ على استقلاليتها. 2- يحتوي النص على أول وصف مصور لحاكم الكويت الخامس الشيخ عبد الله بن صباح الصباح الذي حكم في الفترة 1866-1892 م. أحدهما يبلغ من العمر ثماني أو سبع سنوات والآخر أحد عشر أو اثني عشر عامًا. ومعلوم أن للشيخ عبد الله الصباح ثلاث بنات وولدين هما الشيخ جابر. والد الشيخ عبدالله الجابر الصباح رائد النهضة التربوية والثقافية في الكويت. الثاني هو خليفة. له ذكران علي وعبدالله. اشتهر أولهم بشجاعته وجرأته وكان مسؤولاً عن الأمن في الكويت في عهد الشيخ أحمد الجابر الصباح. نعود إلى الشيخ عبد الله الصباح الذي كانت سنوات حكمه الطويلة حافلة بالأحداث. ومن أهمها مشاركة الكويت في الحملة العثمانية على الأحساء عام 1871 م. وكان للشيخ عبدالله الصباح دور فاعل في الحملة المذكورة. وأنشأ قوة بحرية قوامها نحو ثلاثمائة سفينة تحت إمرته، وقوة برية بقيادة أخيه الشيخ مبارك الصباح، وكانت هذه القوات بمثابة رأس حربة للقوات العثمانية، وهي المعركة الأولى التي شهدتها القوات العثمانية. واشتبكت الجيوش العثمانية وحلفاؤها في معركة القطيف وهي الميناء المحصن الذي لم يكن ليفتح لولا الحصار البحري والقصف المدفعي لسفن البحرية الكويتية. في المنطقة وتحقيق أرباح ومكانة متميزة للكويت على الصعيدين الإقليمي والدولي (1). كما تؤكد الموقف الذي حصلت عليه الكويت في عهد الشيخ عبد الله الصباح وهو ما جاء في مذكرات محافظ بغداد مدحت باشا الذي زار الكويت أواخر عام 1871 م في طريقه إلى الأحساء، حيث كان ضيفًا على الشيخ عبد الله الصباح، وجاء في تقريره بعد أن ذكر اسم حاكمها أن شعب الكويت اعتاد عدم الانصياع للمصاريف والخضوع لحكومات الآخرين، وأنهم يديرون شؤونهم شرعًا بما في ذلك الحاكم والقاضي باعتبارهم شبه جمهوريين (2). وتذكر المصادر التاريخية حرص الشيخ عبدالله الصباح على تحقيق العدل بين أبناء شعبه وتحقيق الأمن والاستقرار لبلاده، وحرصه على تقوية العلاقات الطيبة مع جيرانه والسعي إلى المصالحة في الخلافات التي تنشب بينهم. (1) عودة دور الشيخ عبدالله الصباح في حملة الأحساء في كتاب أحمد مصطفى أبو حكيمة تاريخ الكويت الحديث، ذات السلسلة، الكويت 1984 م، ص. 255 وما بعده. (2) يوسف عبد المعطي الكويت بعيون الآخرين، مركز الكويت للأبحاث والدراسات، الكويت 2003، ص. 32. كان للشيخ عبد الله حلم واسع، يميل إلى الجدية والإخلاص في العمل، ومن مآثره ما فعله في عام 1867 م، العام الذي أطلق عليه (عام الجحيم)، عندما كان الوطن والمناطق المجاورة أصابته المجاعة الشديدة ففتح الشيخ خزائنه أمام أهل الكويت واللاجئين هناك ليريحهم من معاناتهم ولم يترك وسيلة إلا أنه استخدمها لإراحة شعبه حتى هدأ ذلك الحزن عام 1870. م، ومن أهم الأشخاص الذين ساهموا في هذه المشكلة السادة.

Scroll to Top